28/2/2025

د. علي المر ([1])

ملخص

تسلط هذه الورقة الضوء على نتائج معركة الطوفان وثمارها المرحلية والاستراتيجية، وأبعادها في مستقبل الصراع على أرض فلسطين في ضوء حديث سورة الإسراء عن إفساد بني إسرائيل وعد الله بالتتبير لما علو فيما أطلقت عليه السورة ب “وعد الآخرة” في محاولة قراءة اجتهادية تحليلية لمآلات المعركة وتأثيرها وآثارها في تعجيل زوال الكيان الصهيوني عن أرض فلسطين، وقد جاءت الدراسة في مبحثينالأول: قراءة في نتائج معركة طوفان الأقصى والثاني:حربنا مع اليهود في القرآن العظيم ووعد الآخرة، وختمتها بأهم النتائج.

الكلمات المفتاحية: طوفان الأقصى، وعد الأخرة، سورة الإسراء، الإفساد الصهيوني.

ABSTRACT: This paper sheds light on the results of the Battle of the Flood, its phased and strategic fruits, and its dimensions in the future of the conflict over the land of Palestine in light of the talk in Surat Al-Isra about the Children of Israel spoiling God’s promise to destroy what was exalted, in what the Surah called “the promise of the Hereafter,” in an attempt to read an analytical effort into the outcomes of the battle and its impact and effects in hastening the demise of the Zionist entity from the land of Palestine. The study came in two sections: the first: A reading of the results of the Battle of the Flood of Al-Aqsa, and the second: Our war with the Jews in the Holy Qur’an and the promise of the Hereafter, and I concluded it with the most important results.

 Keywords: Al-Aqsa Flood, the promise of the Hereafter, Surat Al-Isra, Zionist corruption.

تشهد منطقتنا، الشرق الأوسط، اليوم حرباً ضروساً، بدأت، في الظاهر، بالهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من قطاع غزة المحتل في 7 أكتوبر 2023 على المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية، في غلاف غزة، وامتدت الحرب لتشمل أجزاء من الضفة الغربية المحتلة وأجزاء أخرى من المنطقة، وأخذت الحرب هذه المرة طابعاً دينياً واضحاً مع ظهور الفصائل والأحزاب الدينية المتطرفة لتقود المرحلة في إسرائيل، تبع ذلك تحرك سريع ودعم كبير من بعض القادة الغربيين والكشف عن ميولهم الدينية وقناعاتهم الصهيونية.

نسلط في هذه الورقة الضوء على الدوافع العقدية والفكرية التي تحرك هذه المواقف وعلى نتائج الحرب، كما نعرض ونحلل الآيات الكريمة التي تتحدث عن “وعد الآخرة” في القرآن العظيم، وخلصنا إلى أننا نشهد بعض أحداث “وعد الآخرة”  ومقدماته الأكثر وضوحاً تتحقق في أرض الواقع خلال هذه المعركة.

ولقد استخدم الباحث “الإعجاز العلمي للقرآن الكريم” أداة للتحقق من هذه النظرية أو الفهم ودعمها، وفي الأخير أوضح الباحث موقف الأمة الإسلامية، حكوماتها وأحزابها وعلمائها من الحرب، والدور المطلوب منها لمواكبة الموقف بما يمهد الطريق لإنهاء غطرسة وانحراف بني إسرائيل في وعد الآخرة.

المبحث الأول: معركة طوفان الأقصى ونتائجها.

المطلب الأول: قراءة في النتائج الأولية للمعركة:

في السابع من تشرين أول 2023 فاجأت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) العالم، بهجومها من قطاع غزة المحتل على الكيان واجتياح مقاتليها للجدار العازل ولتحصينات العدو على طول الحدود، وانتشارهم في نحو 50 مستوطنة وتجمعًا سكنيًا و11 قاعدة عسكرية يهودية، وتفكيك أكبر لواء عسكري للعدو على الحدود، والاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد والبيانات العسكرية والاستخبارية، وأسر نحو 200 عسكري فيهم قادة كبار في جيش العدو، وما تزال فصول هذه المعركة جارية بعد ما يزيد على عام بتاريخ هذه المراجعة (في 10 أكتوبر 2024). ولقد بدا أن الحركة بهجومها حطمت هيبة الكيان، الذي يشغل المرتبة الثامنة عشرة من حيث القوة العسكرية في العالم([2])، وأبطلت مفهوم الجيش الذي لا يقهر، الذي ظل يروج له في المنطقة العربية والعالم طوال عقود، وعرّت ضعف أجهزة الاستخبارات الصهيونية والأمريكية التي كانت فرائص الدول ترتجف منها فَرَقًا وخوفًا. وخلطت الأوراق التي ظل العدو يلعب بها في المنطقة، بلا قبيل، وأربكت مخططاته، وأفقدته توازنه، وبدا الكيان يترنح كجسد تلقى ضربة موجعة في رأسه، فدب الخلاف بين أقطاب حكومته وقادته العسكريين، نحو شهر دون أن يتماسك، فسارعت الولايات المتحدة، من أول يوم، لنجدته، وشد أزره ورفع معنوياته المنهارة، فحركت، دفعة أولى ومستعجلة حاملاتي طارات، و9 بوارج إسناد، وأرسلت على وجه السرعة، 2000 عسكري، من الخبراء في حرب الشوارع والأنفاق، لدعم قوات الكيان، وتبعتها دول غربية أخرى مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، بإرسال الدعم والإسناد بالطائرات والسفن الحربية والعتاد، وتداعى زعماء غربيون، من أعلى مستوى، للتوافد على الكيان واحدًا بعد واحد، لإعلان تأييدهم المطلق للكيان، ولما بدر من قادته من تصريحات، تدعو أهل غزة (2.3 مليون إنسان) للنزوح القسري إلى سيناء.

وعلى مدى ثلاثة أسابيع ظل العدو يشن هجمات بالصواريخ والطائرات والمدفعية الثقيلة والقنابل الفسفورية، وغيرها، على المناطق السكنية في قطاع غزة، ويدمر المباني على رؤوس ساكنيها، وسويت أحياء كاملة بالأرض. ومحيت مئات العائلات من سجل الأحول المدنية. وبتاريخ 27 تشرين أول (أكتوبر) شن الكيان هجومًا بريًا على غزة. ولا تزال المعارك على أشدها، حتى لحظة هذه المراجعة (10/ 10/ 2024).

لقد مارس العدو أقبح حرب إبادة جماعية للجنس البشري، وصفت بأنها الأشد والأبشع في العصر الحديث، كل ذلك أمام سمع وبصر العالم ووسط صمت دولي، وحتى عربي وإسلامي مدوٍّ.. واختفت من العالم كل شعارات حقوق الإنسان والطفل والمرأة، والقانون الدولي، أمام الرغبة الجامحة في القتل، والتلذذ بسفك الدماء، وتدمير المدارس والمساجد والكنائس والمشافي، وحتى الملاذات الآمنة التي دأب العدو على الطلب من الناس التوجه إليها، نجاة بأرواحهم، وظل يدمرها على من فيها، ومارس علاوة على القتل بالسلاح  أبشع أعمال القتل البطيء  بمنع إدخال الطعام والمياه والكهرباء والمحروقات والدواء، وطالب وزير المالية الإسرائيلي، التلمودي المتطرف بتسلئيل سموتريتش بقتل أهل غزة أو طردهم، وإبقاء 200 ألف منهم فقط لخدمة اليهود في زراعة الأرض تحقيقًا كما يبدو لعقائد التلمود.

ومما يلفت الانتباه في هذه الحرب أن قادة الكيان والولايات المتحدة وكندا كشفوا هذه المرة أكثر من أي وقت مضى عن قناعاتهم العقدية، فأعلن وزير حرب العدو (يوآف غالانت) أنهم يقاتلون حيوانات بشرية، وهو الوصف التلمودي لغيرهم من الشعوب، وأعلن وزير الخارجية الأمريكي، في أول زيارة له للمنطقة، في بداية الحرب، بأنه جاء إلى المنطقة بصفته يهوديًا، وأن مهمته هي من أجل معرفة احتياجات إسرائيل للقضاء على حماس، وأن على الغزيين أن يقبلوا عرض إسرائيل بتهجيرهم إلى سيناء إذا أرادوا النجاة من القتل، وعلى العرب أن يفتحوا ممرات آمنة لخروجهم، وصرح جو بايدن (الرئيس الأمريكي) بأنه صهيوني، ولو لم تكن إسرائيل موجودة لعمل على إيجادها، وأنه يؤيد ما سماه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسه،  وأنه سيعمل كل ما يلزم لضمان أمنها والقضاء على حماس، وصرح رئيس وزراء كندا أنه يقف وبلده مع حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وسوف تمد بلاده إسرائيل يكل ما تطلبه منها لضمان أمنها، وأنه لا يضير كندا أن تعلن نفسها صهيونية.

لقد ضربت غزة بعد مضي عام من بداية الحرب، بنحو 85 ألف طن من المتفجرات (بما يعدل 4-5 قنابل ذرية مثل قنبلتي هيروشيما ونجازاكي الذريتين عام 1945)، ووفق مسح بالأقمار الصناعية، أجرته الأمم المتحدة، يومي 3 و4 أيلول 2023، بلغ عدد المباني التي دمرت، كليًا أو جزئيًا، في قطاع غزة، 16، 3778 مبنى تشكل 66% من مجموع مباني القطاع، وإلحاق الضرر بنحو 68% من الأراضي المزروعة ([3])، وتشير الإحصائيات الفلسطينية أن عدد المجازر التي ارتكبها العدوـ في السنة الأولى من الحرب 3 بلغت 654 مجزرة في القطاع، وعدد الشهداء والمفقودين 41، 870، وعدد الجرحى 97، 166، وأن 69% من المصابين هم من الأطفال والنساء، وعدد الذين هجروا من منازلهم بلغ 2 مليون إنسان، أصيب منهم 1، 737، 524 بأمراض معدية بسبب تلوث البيئة وعدم توفر الخدمات الطبية ([4]). وبلغ مجمل الخسائر المادية نحو 43 مليار دولار ([5]).

وفي المقابل ذكر تقرير صدر عن جيش العدو، بمناسبة مرور عام على الحرب، أن عدد قتلاه بلغ 726 ضابطًا وجنديًا، وعدد المصابين بلغ 4، 567، ومن المعلوم أن الكيان لا يكشف عن خسائره في الأرواح كاملة، ويتستر على خسائره المادية بالكامل.

وكما أن العقائد الخبيثة، كالشحرة الخبيثة، لا تعطي غير ثمار خبيثة، فإن العقيدة الطيبة كالشجرة الطيبة ثمارها طيبة، وهو ما تحدثنا عنه في الفقرة 2، في بداية هذه الورقة، وبدا جليًا في هذه الحرب. فبينما أجمع أسرى وأسيرات اليهود، الذين أفرجت عنهم المقاومة الإسلامية في أول صفقة لتبادل الأسرى، بين الطرفين، في 27 تشرين الثاني 2023، على حسن معاملة مقاتلي المقاومة لهم، أجمع الأسرى الفلسطينيون المفرج عنهم على سوء معاملة السجانين اليهود لهم. ولقد شاهدنا بعضهم مضمد الأطراف من جروح وكسور ألحقها بهم السجانون اليهود، وما يندى له وجه الإنسانية حياء أن يدعي قادة الكيان أن جيشهم هو الأكثر أخلاقية في العالم، وأنهم يحاربون إرهابيين، وأن المقاومة أساءت لأسراهم، وجرى اغتصاب نسائهم الأسيرات، وأن يسارع الرئيس الأمريكي لتبني هذه الدعاية، الكاذبة لدعم موقف الكيان في الأمم المتحدة، ولإعطاء الإعلام العالم والعربي المتصهين([6])، مادة يشوه بها المقاومة، ويغطي على أكبر جرائم الإبادة في العصر الحديث.

المطلب الثاني: قراءة في النتائج الإستراتيجية للمعركة

لم يكن طوفان الأقصى مجرد معركة أو جولة في حرب وحس،  ولكنه طوفان ترك آثارًا استراتيجية وغير قابلة للانعكاس، أو الرجوع إلى ما كان الحال قبلها، وفي ميادين كبرى، وعلى الصعد كافة، فعلى صعيد القضية (مدار البحث)، أعادت معركة الطوفان القضية الفلسطينية إلى مربعها الإسلامي الأول، بعد أن قُزمت وحصرت في قضية شعب، ثم في حركة مقاومة شيطنوها (ونعتوها بالإرهاب)، ووضعت القضية في موْضع الاهتمام العالمي، بعد أن كاد أن يلفها النسيان، وأوقفت قطار التطبيع الشائن الذي بدأت بعض الأطراف العربية تسارع للحاق به، والركوب فيه، وأحرجت النظم المتعاونة مع العدو، في العالمين العربي والإسلامي، وألقت ظلالًا قاتمة على مستقبل الكيان وبقائه، تتمثل في:

 1) فقدان شعور المستوطنين بالاطمئنان، ونزوح مئات الألوف منهم من قراهم ومدنهم، في المناطق الحدودية في الشمال والجنوب، إلى مناطق أكثر أمنًا في الداخل، ما تسبب في ضغط على أنماط ومستوى الحياة للمهجرين والمستقبلين على حد سواء.

 2) زيادة وتيرة الهجرة العكسية من الكيان إلى خارجه، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 250 ألفًا خرجوا بالفعل، وقائمة المنتظرين تلامس نصف المليون.

 3) تعطل الحياة الاقتصادية في كيان قام على أساس الربح المادي، وفي أمة تحب المال والدنيا أكثر من حبها لنفسها وخالقها، وتراجع التصنيف الائتماني الدولي للاقتصاد الصهيوني.

 4) هجرة رؤوس الأموال من الكيان، وفقدان ثقة أرباب المال وأصحاب المصالح الدوليين واليهود في أمن الاستثمار في الكيان.

 5) انعدام التعويل على الدول الغربية التي أنشأت الكيان والداعمة له على قابلية بقائه، وفائدته كقاعدة عسكرية واستراتيجية متقدمة في المنطقة العربية.

 6) زيادة رفض الإنسان الغربي لتمويل الكيان وتزويده بالسلاح والدعم العسكري وتزويده بمقومات البقاء.

 7) انكشاف قبح الفكر الصهيوني والعقائد اليهودية التي ظلت طوال العقود والقرون أشبه بالأسرار، وحكرًا على ما يسمى النخب الفكرية والسياسية المستفيدة من رشاوى اليهود وأعطياتهم، حتى تغلغلت الفكرة الصهيونية في عصب الحياة في الدول الغربية.

 8) فقدان الكيان التعاطف المعنوي العالمي، وحصول تحول كبير في الرأي العام الدولي لصالح القضية الفلسطينية. 9) التحولات النفسية والجيوسياسية والعسكرية الخطيرة التي ضربت في الكيان نفسه.

 10) دفعت الجرائم البشعة في مقابل  الصمود الأسطوري لأهل غزة، الشعوب للتفكير في القوة الفكرية والعقدية التي تحرك الطرفين. وتزايد انتشار الإسلام.

 11) عصفت طوفان الأقصى بكثير من السياسات الخبيثة والمخططات الاستراتيجية التي ظل العدو يعد لها ويفرضها على الشعوب والدول الإسلامية؛ لإدماج الكيان سياسيًا واقتصاديًا، وتكريس هيمنة الصهيونية اليهودية، وإفساد قوى الرفض للكيان من خلال ما سمي بالديانة الإبراهيمية التي تنذر بوجود مخطط خبيث للإجهاز على الإسلام وإنشاء صهيونية عربية مسلمة على غرار الصهيونية المسيحية التي تقف اليوم إلى جانب الكيان وتحميه.

المبحث الثاني: إرهاصات تراجع المشروع الصهيوني

بالنظر إلى مجريات الأحداث والحروب العربية مع الكيان منذ نشأته، في الأعوام 48 و56 و67 و73، ونتائج معركة الطوفان، حتى اللحظة، نستطيع استنتاج ما يلي:

 1) إن الكيان شهد اندفاعة قوية نحو العلو العسكري في المدى الزمني 1917 – 1967.

 2) تلت ذلك حالة من التراجع العسكري والمعنوي، منذ معركة الكرامة، التي جرت على الأراضي الأردنية عام 1968، وحتى اللحظة (في 2024)، صحبها نوع من التغول السياسي والاقتصادي؛ للتعويض عن تلك الحالة بإظهار الكيان بمظهر القوة التي لا تغلب، ومحاولات إدماجه في المنطقة، أو فرضه عليها بالتطبيع، وما سمي صفقة القرن واختراع الديانة الإبراهيمية المزعومة، ودعوات التسامح وقبول الآخر، وتشويه المناهج الدراسية، وسحب الكتب الإسلامية من المكتبات في الدول العربية، واستبدالها بكتب غربية وفكر وافد وقيم فاسدة، وغيرها من سياسات ظلت تفرض على النظم والحكومات.

 3) وفي المقابل، فمع أن العدو نجح بعد أحداث أيلول الأسود في الأردن عام 1970، وحرب لبنان عام 1982، من طرد المقاومة الفلسطينية، التي كان يغلب عليها الطابع العلماني واليساري، من الأراضي الأردنية واللبنانية، وتشتيتها في أقاصي الأرضـ بعيدًا عن فلسطين، إلا أن المقاومة انتقلت لداخل الكيان نفسه، وبصبغة إسلامية هذه المرة، ما أدى إلى حالة من الانكشاف العسكري للعدو، والانكفاء على الذات، فلجأ إلى إحاطة مدنه وقراه وحدوده الجنوبية (من جهة مصر) والشمالية من جهة لبنان، وفي الضفة الغربية، بمئات الكيلومترات من الجدر العازلة، المرتفعة، وحواجز الاسمنت المسلح والأسلاك الشائكة، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿لَا يُقَٰتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ﴾ [سورة الحشر: 14].

 4) ثم جاء تحرير قطاع غزة، وطرد القوات الصهيونية منه عام 2005، تحت ضربات المقاومة ليشكل أول عملية تحرير حقيقية لأراض تحت سيطرة العدو، وشكل ما سمي “انقلاب حماس” على السلطة الفلسطينية عام 2007، واستلامها إدارة قطاع غزة بداية ظهور كيان سياسي عسكري معاد للكيان، من داخله وما نشأ عنه، من سلسة الحروب بين المقاومة في غزة والعدو، في الأعوام 2008، 2012، 2014، 2021، أسفرت عن اهتزاز ثقة الكيان بنفسه.

 5) بقدوم الحكومة المتطرفة عام 2021، حاول الكيان أن يرمم صورته، ويعيد ثقته بنفسه، ويجدد العمل لتحقيق مشروع إسرائيل الكبرى، ظنًا منه أن الظروف قد نضجت باستسلام الحكومات العربية بالتطبيع ، وأنه ما يزال يملك من مصادر القوة والدعم الخارجي ما يعينه على تحقيق النصر؛ فجاءت معركة طوفان الأقصى لتعيد خلط الحسابات، ولتشكل واحدة من المعارك الفاصلة في التاريخ مثل يوم بدر والأحزاب والقادسية وعين جالوت، ولتطيح بالكثير من الأوهام التي ظلت تحيط بالمشروع الصهيوني العالمي، للألفية الثالثة، ولتسرع في تتبير علو بني إسرائيل المرتقب.

المبحث الثالث: حربنا مع اليهود في القرآن العظيم ووعد الآخرة:

حفل القرآن العظيم بشكل خاص بالحديث عن اليهودية واليهود وبني إسرائيل، حتى إن اسم نبي الله موسى، المرسل فيهم، ورد 131 مرة في القرآن العظيم، في حين لم يرد فيه اسم نبي الإسلام، صاحب الرسالة سوى أربع مرات فقط. وخصص من سوره سورةً كبيرة للحديث عن “وعد الآخرة”، وهي الحرب التي يدمر فيها أقوام من الناس، سماهم “عِبَادًا لَنَا” فساد بني إسرائيل، والملفت للنظر أن ذكر هذه الحرب ورد في تسع آيات من السورة: ثماني في مطلعها، الآيات من 1- 8، وآية واحدة في آخرها، هي الآية 104، يقول تعالى في بداية السورة: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ… وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَٰفِرِينَ حَصِيرًا﴾ [سورة الإسراء: 1-8]. ويقول في آخر السورة: ﴿وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾ [سورة الإسراء: 104]. فما وعد الآخرة؟ ومتى هو؟ وما العلو والإفساد؟ وما التتبير وإساءة الوجوه؟ ومَن القومُ الذين يسلطهم الله على بني إسرائيل فيتبروا فسادهم وينهوا علوهم؟ ونفس الأسئلة نجدها في الوجه الآخر من المشهد: ما هي الأولى؟ ومتى؟ وأين؟ ومن هم القوم الذين تسلطوا عليهم وتبروا إفسادهم وأنهوا علوهم؟ ونبدأ باستعراض ما قاله العلماء حول هذه القضايا:

المطلب الأول: آراء ونبوءات حول حربنا مع اليهود ووعد الآخرة:

تباينت آراء العلماء في نوع إفسادي بني إسرائيل الأول والثاني اللذين تحدثت عنهما آيات سورة الإسراء، فقيل هو عنادهم واستعلاؤهم على الشعوب، وقيل هو قتلهم الأنبياء، وقيل هو مخالفتهم التوراة، وقيل إفسادهم القضاء([7])، ونعرف كذلك من مظاهر إفسادهم: استباحة الدماء والحرمات وأكلهم الربا والسحت، والاعتداء على حقوق الغير، ونشر الفاحشة، وتزوير العقائد والتاريخ، وتسميم الفكر، مما بينا في المبحث الأول، واختلف العلماء كذلك في زمن الإفسادين، والقوم الذين يسلطون عليهم في كل مرة، ولقد استطعنا أن نصنف ستة من هذه الآراء:

الرأي الأول: ذهب إليه المفسرون السابقون، فلقد انعقد رأيهم على أن الإفسادين والعقاب عليهما وقعا في عصور ما قبل الإسلام، واختلفوا في أزمانهما والقوم الذين تسلطوا عليهم في المرتين، فقيل: هم العمالقة الذين كانوا يقيمون في جنوب بلاد الشام عند قدوم بني إسرائيل من مصر (في نهاية القرن 15 قبل الميلاد وبداية القرن 16 ق، م)، وقيل هم جالوت وجنده (في القرن 11 ق. م)، وقالوا: هم سنحريب، ملك بابل وجنوده (سلطوا عليهم في القرن 7 ق. م)، وقيل: هم بختنصر، ملك بابل وجنوده غزوهم مرتان (سنة 587 و606 قبل الميلاد)، وقيل هم البطالسة حكام مصر الرومان، سلطهم الله عليهم سنة 166 ق. م،  وقيل هم الرومان تسلطوا عليهم سنة 40 ق. م حتى سنة 135 م ([8]). ويُنظر إلى تأويلات السابقين أنهم لم يكونوا يتوقعون ظهور بني إسرائيل على المسلمين، فحملوا معنى الآيات على ما كان قبل الإسلام من أحداث وحروب، ولقد تجاوزت الوقائع المعيشةُ هذا التوقع، بقيام دولة تنتسب لبني إسرائيل في فلسطين في هذا الزمن، ويأبى الواقع أن لا يكون لبني إسرائيل علو في هذا الزمن، وأن علوهم وهول إفسادهم، الذي بلغ اليوم كل مبلغ، هو أقل شأنًا من المرات المشار إليها في كتب الأقدمين ومن سار على نهجهم من المعاصرين، وهذا المأخذ نقبله ونؤيده.

الرأي الثاني: يرى أن الإفسادين وقعا في عهد الإسلام، الأول وقع في المدينة المنورة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني هو ما نعيشه اليوم من قيام دولة إسرائيل في فلسطين، وأن المسلمين هم من ساء وجوه المفسدين وتبر علوهم في المرة الأولى، وهم من سيفعل في المرة الثانية الراهنة، وذهب إلى هذا الرأي أكثر المفسرين المعاصرين، من مثل الشيخ عبد المعز عبد الستار، من شيوخ الأزهر، والشيخ محمد متولي شعراوي وعبد الكريم الخطيب والدكتور محمد مجذوب والدكتور محمد هلال والدكتور مصطفى مسلم والدكتور صلاح الخالدي والدكتور بسام جرار، وهذا ما نؤمن به، بيد أنه يؤخذ على هذه التأويلات أن علو بني إسرائيل الثاني يتصل عند بعضهم بعلامات القيامة الكبرى، وأنه سيكون على يدي ملك يهود (المسيح الدجال)، وتتبيره سيكون على يدي نبي الله عيسى عليه السلام، الذي ينزل في آخر الزمان، فيقتل الدجالَ، ويؤخذ عليها أيضًا أنها تتضمن الإيحاء بأن النصر قدر محتوم ووعد إلهي، وأن أي محاولة لدحر الاحتلال هي مغالبة للقدر واستعجالًا للنصر قبل أوانه([9])، ولنا في هذه وجهة نظر، أو نظرية، تحل هذا الإشكال، سنُبيُّنها لاحقًا (الرأي السابع).

الرأي الثالث: طالعته قبل عقود (في سبعينيات القرن الماضي)، وهو للدكتور مصطفى محمود، وهو تصور يقوم على المعنى المجازي للأعور الدجال، وفيه يرى الدكتور مصطفى أن المسيح الدجال يتمثل في القوى المسيحية الداعمة اليوم لهذا الكيان، والتي تملك القوة والمال، وتمد العون لمن يتفق معها في سياساتها، وتحاصر من يعارضها وتحرمه من مقومات الحياة، فكأنما هي تحيي من تشاء وتميت من تشاء، كما جاء في الأثر عن المسيح الدجال، ولكون هذه القوى تؤمن بأن الحياة مادة، ولا تؤمن بالمكوِّن الروحي في الوجود، فكأنما هي تنظر للحياة والوجود بعين واحدة كالأعور، وهي تخدع الشعوب بادعائها الإنسانية، وحقوق الإنسان، فهي مسيحية وخادعة، ومن يحملها ويقاتل بها ومن أجلها فهو مسيح دجال، أو أعور دجال، وإن ادعى أنه من أتباع المسيح، وفي رأينا أن هذا التأويل مع أنه لا يتعارض مع فنون اللغة، ويمكن فهمه في ضوء ما تقوم به المسيحية الصهيونية من قتل وإجرام باسم الدين والمسيح، كما رأينا في المبحث الأول، وفي ضوء ما بلغوه اليوم من تقدم علمي وقدرات تقنية وتطبيقية أشبه بالخوارق والمعجزات، مثل إنزال المطر والاستنساخ والتأثير على النوع وتغيير الجنس البشري وغيرها، وأنه يحل الإشكالية التي ظهرت في تأويلات بعض المعاصرين التي ترجئ تتبير علو بني إسرائيل الثاني إلى آخر الزمان (الرأي الثاني)، إلا أنه لا يعدو كونه فكرة لم تبلغ درجة الفرضية العلمية فضلًا عن النظرية والحقيقة.

الرأي الرابع: يتمثل في توقعات ونبوءات، لبعض العلماء والمفكرين، بأن علو بني إسرائيل هو ما نعيشه اليوم، وأن المسلمين هم من سيتبره، وذهب أصحاب هذا الرأي أبعد من غيرهم بتحديد الزمن الذي سيقع فيه التتبير، بأنه سيكون في المدى الزمني بين 2022- 2028م، وممن ذهب إلى هذا الرأي الدكتور بسام جرار الذي توقع عام 1992، في كتابه “زوال إسرائيل نبوءة قرآنية أم صدفة رقمية” بأن نهاية إسرائيل ستكون عام 2022، وكذلك توقع أستاذ التفسير في الجامعة الأردنية الدكتور أحمد نوفل أن زوال إسرائيل سيكون عام 2022، وأما الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية، حماس، التي تتقدم اليوم صفوف المقاتلين في الحرب على إسرائيل، وتحمل لواء الدعوة لإزالتها، فتوقع في برنامج “بلا حدود” الذي كان يعده الإعلامي أحمد منصور في فضائية الجزيرة، وبُثَّ عام 1998، أن زوال الكيان سيكون في عام 2027، بعد مرور ثلاثة أجيال (كل جيل 40 سنة) على بداية القضية الفلسطينية، وأصيغه بكلماتي كالآتي:

– جيل النكبة (19081947 م): بدأ بالانقلاب على الخلافة العثمانية في 1923، وانتهى بقيام دولة إسرائيل، وتخلله العديد من الثورات الفلسطينية، أهمها ثورة 1926 و1929 و1936 وثورات أخرى محلية، تم وأدها والقضاء عليها.

– وجيل المقاومة (19481987): بدأ بإعلان قيام دولة إسرائيل وشهد العديد من الحروب الشاملة ([10]) بين العرب والكيان في الأعوام 1948، و1956 و1967 و1973، وكان نتيجتها أنها كرست بقاء دولة إسرائيل.

– وجيل التحرير (19882027): بدأ بالانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وشهد العديد من الحروب بين المقاومة الإسلامية والكيان، عام 2008 و2012 و2014 و2021 و2022، ومعركة طوفان الأقصى الراهنة 2023، ويؤخذ على هذه الآراء، من البعض، أنها مجرد خيالات وتوقعات لا تستند لعلم شرعي، كما يرى الدكتور سامي العريان، الخبير في القضية الفلسطينية، في برنامج استضافه فيه منتدى مصابيح الأقصى، ليتحدث عن معركة طوفان الأقصى وتداعياتها([11])، غير أن الحجة المقابلة هي: أن بعض هذه الآراء يستند على استقراء للتاريخ، وأنها ليست خاصة بالمفكرين المسلمين، بل إن مفكرين أمريكيين ويهودًا توقعوا، ولاعتبارات تتعلق بالحسابات السياسة والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والسكانية للكيان، أن دولة الكيان لن تتجاوز العام الثمانين من عمرها قبل أن تنهار، كما حصل لدول بني إسرائيل في التاريخ، ومنهم رئيس وزراء الكيان الحالي نتنياهو وسلفه الأسبق يهود باراك ([12])، وهذه حجة معتبرة ونقبلها (انظر الرأي السابع).

الرأي الخامس: للدكتور طارق سويدان، في كتابه فلسطين- التاريخ المصور، الصادر عام 2004. ومفاده أن الحرب ستظل سجالًا بيننا وبين اليهود إلى أن يظهر المسيح عليه السلام، ويرى أن العلو الأول هو الذي نعيشه اليوم، وسيأتي على دولة اليهود هذه عبادٌ لله يخرجونهم من فلسطين، غير أنهم سيعودون مرة ثانية وبعدها يأتي وعد الآخرة، فنتغلب عليهم ونخرجهم من بيت المقدس، ويظل الأمر دُولة بيننا وبينهم إلى حين ظهور المسيح الدجال الذي يؤيده اليهود آنذاك، وتكون نهايته على يد عيسى عليه السلام في فلسطين قبيل قيام الساعة([13])، ونرى أن هذا الرأي لم ينظر إلى وجود بني إسرائيل كقوة مؤثرة في جزيرة العرب قبل الإسلام، وأن المسلمين في عهد النبوة وصدر الإسلام جاسوا خلال الديار في المدينة والجزيرة، وتبروا علوهم وإفسادهم فيها، كما سنرى لاحقًا في المبحث الثالث (عند الحديث عن مضامين سورة الإسراء)، وأنه يقلل من مدى علو بني إسرائيل وإفسادهم الحالي الذي نعتقد أنه لن يتكرر وأن ما بعده من علو وإفساد هو في سياق قوله تعالى “وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا”، وهو ما سنوضحه في المبحث الثالث أيضًا، كما لا يقدم شرحًا، علميًا أو منطقيًا، لإمكانية رجوعهم لعلو أكبر منه بعد تتبيره هذه المرة، ولهذا لا نؤيده.

الرأي السادس: رأي مبني على دراسات علم الأجناس([14])، ومفاده أن يهود دولة إسرائيل اليوم ليسوا بني إسرائيل الذين عناهم القرآن العظيم، وإنما هم خليط من شعوب وقوميات شتى، خزر وترك وغيرهم، لا يزيد عدد الإسرائيليين فيهم عن 20% فقط من سكان الكيان، ولقد تبنى هذا الرأي الدكتور محمد بو دميع، في بحث له نشرته مجلة البيان الرقمية عام2017، وفيه ينفي الدكتور بو ادميع أن يكون المسلمون هم من يتبر علو بني إسرائيل الثاني، لأنهم لم يتبروا علوهم الأول، بدليل ساقه أن المسلمين لم يدخلوا المسجد الأٌقصى في التتبير الأول، ونأخذ على هذا الرأي، كما أرى: أنه يعدّ كيان إسرائيل المعاصر ليس معنيًا بما يجري اليوم من فساد في الأرض، وربما يصرف نظر البعض عن التفكير في ذلك، وحتى من الناحية العلمية أرى أن هذا الرأي ليس على شيء، فليس بالضرورة أن يكون جميع أفراد شعب ما خُلَّص من جنس واحد لكي ينسب الكيان إلى ذلك الجنس، فأمريكا مثلًا كيان يضم خليطًا من أجناس شتى والمحرك الأهم فيها هم الأنجلو سكسون، والصهيونية المسيحية بالخصوص، ومع ذلك فهي تنسب للأنجلو سكسون، وسميت أمريكا نسبة إلى شخص واحد قيل إنه اكتشفها قبل مئات السنين، وكذلك إسرائيل اليوم هي فكرة كان وراء تأسيسها متعصبون لها من بني إسرائيل، فأخذت دولتهم اسم إسرائيل والفكر الذي طوروه على مدى السنين، هو الصهيونية اليهودية واليهودية المحرفة (مما رأينا في المبحث الأول)، وما يزال بنو إسرائيل هم المحرك الأغلب فيها مع أن عددهم قلة (20%) كما زعم الدكتور بو دميع، وكذلك يتعارض رأي بو دميع مع المضامين الفكرية التي وردت في القرآن العظيم، مما سنبينه في المبحث الثالث، ومع حقيقة أنه ليس بالضرورة أن يترافق دخول المسجد زمنيًا مع هزيمة واحدة معينة تقع لبني إسرائيل، ولكن بعد حين، وربما بعد سلسلة من الهزائم، كما سنرى لاحقًا عند الحديث عن التتبير الأول (في المبحث الثالث)، ولهذه الاعتبارات مجتمعة لا نقبل رأي الدكتور أبي دميع، ونرفضه بقوة.

الرأي السابع: هو ما نؤمن به، مما استخلصناه من الآراء السابقة، ونتأوله في ضوء فهمنا للآيات الكريمة في سورة الإسراء، وتاريخ القضية والأحداث الجارية، وعقائد أطراف الصراع (كما بيناه في الفقرات السابقة)، وخلاصته: 1) أن العلو والإفساد الأول لبني إسرائيل كان في المدينة المنورة.

 2) أن تتبيره كان في عهد النبوة وعصر صدر الإسلام.

 3) أن دخول المسجد الأقصى المبارك في المرة الأولى كان في صدر الإسلام، في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في عصر الخلافة الراشدة.

 4) أننا نعيش اليوم العلو والإفساد الثاني لبني إسرائيل.

5) أن ما يجري الآن من حروب في فلسطين هي في سياق تتبيره.

 6) أن معركة طوفان الأقصى ليست الأخيرة في تتبير الإفساد الثاني، الراهن، ولكنها هي الحاسمة، وسوف تؤسس لانهيار الكيان ودخول المسجد الأقصى المبارك، كما مهدت حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود في المدينة المنورة لدخول المسجد المبارك في المرة الأولى لاحقًا، في عهد الفاروق رضي الله عنه.

 7) ستكون لبني إسرائيل كرة، أو كرات، أخرى، آخرها في عهد المسيح الدجال، يتبرها المسلمون بنزول عيسى عليه السلام.

ونتوقع أن يكون من تداعيات معركة طوفان الأقصى أن تنتشر الأعمال العدائية بين اليهود والمسلمين، وتضعف قبضة الكيان عن المسجد الأقصى تدريجيًا، حتى يعود تحت إدارة إسلامية كاملة وحقيقية، وليس وصاية (هاشمية) كما هي اليوم، وربما توافقت بداية انهيار الكيان مع توقعات بعض العلماء والمفكرين، كما بينا آنفًا (الرأي الرابع)، فلقد بدأت شرارة المعركة الأخيرة عام 2022، بمحاولات تهويد المسجد الأقصى ومقاومتها، ووقعت فيها معركة سيف القدس، وهي السنة التي توقع الدكتور بسام جرار أن تشهد نهاية الكيان، وتُوجت بعملية طوفان الأقصى المجيدة يوم 7 تشرين 1 (أكتوبر) 2023، والتي نتوقع أن تظل آثارها الضارة على الكيان، وعوامل التحلل الداخلي، وما سينشأ من حروب وردات فعل، تنخر في جسد الكيان إلى أن تنهار دولته تمامًا، أو يحصل تغير في بنيتها الإدارية والسياسية والعقدية، وربما خلال بضع أعوام، قبل نهايات هذا العقد، كما توقع الشيخ أحمد ياسين رحمه الله وكثير من المفكرين الاستراتيجيين.

وربما تظهر، في مرحلة لاحقة، ظروف تفرض على الكيان قبول مبدأ الدولة المتعددة القوميات، كحل تفرضه توافقات دولية، لصعوبة نقل 7 مليون يهودي دفعة واحدة إلى البلدان التي جاءوا منها، وفي النهاية سينتصر المسلمون ويتشتت اليهود ليتحقق تتبير علوهم الثاني.

المطلب الثاني: تأملات في سورة الإسراء

إن التأمل العميق في سورة الإسراء يجد ما يدعم الفهم أو النظرية السابقة، أو الرأي السابع الذي نؤمن به وأوضحناه سابقًا، وهو ما سنوضحه بالمناقشة الآتية لآيات السورة الكريمة، وفي ثلاث نطاقات يلف بعضها بعضًا، ونرى أنها من نوع الإضافات العلمية:

أولًا- البيئة المحيطة بالسورة

سورة الإسراء، أو سورة بني إسرائيل، سورة مكية على الأغلب، نزلت في العام الثالث قبل الهجرة، عقب حادثة الإسراء والمعراج، وقعت في أحلك أوقات الدعوة وأشد أيام اضطهاد قريش لرسول الله صلى الله عليه، العام الذي عرف في التاريخ الإسلامي بعام الحزن الذي أصاب نبي الله، بسبب وفاة نصيريه عمه أبي طالب وزوجته خديجة، وبعد عودته صلى الله عليه وسلم محزونًا مكسوفًا من الطائف التي لجأ إليها طالبًا النصرة من أهلها، فتنكروا له وأغروا سفاءهم به، فضربوه وأدموا قدميه الشريفتين.

في هذه البيئة الحزينة أسرى الله عز وجل بنبيه صلى الله عليه وسلم، روحًا وجسدًا، من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى المبارك: لِيُسَّرِّيَ عنه ما أصابه ويظهر شرفه وفضله وعلو منزلته واحتفائه به، فالتقى أنبياء الله عليهم السلام في بيت المقدس، وصلى بهم إمامًا، ثم عُرج به إلى السماوات العلا، وأراه الله من آياته الكبرى، والتقى عددًا من إخوانه الأنبياء عليهم السلام، وتعلّم منهم بعض القيم والشرائع وأحكام الإسلام، والصلاة، ثم رُجع به إلى مكة المكرمة، كل ذلك في لحظة قصيرة من الزمن، من ليلة واحدة، سميت ليلة الإسراء، باسم الحدث العظيم الذي وقع فيها، وهي المعجزة الأكبر، التي لم يتسن لنا بعد فهمها، وقد تظل كذلك وراء أستار الغيب ولكنا نؤمن بها، وما يشد اهتمام الباحث والمتأمل في هذه الحادثة: أن نبي الله موسى عليه السلام كان أكثر الأنبياء الكرام حضورًا في ذلك المشهد العلوي، وأكثر حضورًا في فرض أحكام الصلاة، وفي ذلك، كما نرى، إيحاء بأن موسى لنا، نحن المسلمين، كما محمد عليهما السلام، كما يمكن أن نستشف من هذا الحضور الكبير ما تواجهه أمة الإسلام، الوريث الحقيقي للنبوة، من اليهود، أدعياء التبعية الباطلة لموسى عليه السلام، ونذكر كذلك أن المسلمين كانوا يتوجهون في صلاتهم نحو المسجد الأقصى المبارك في 14 سنة من 23 سنة، أي في نحو 60% من زمن عهد النبوة، قبل أن يتحولوا إلى بيت الله الحرام، في مكة المكرمة، في السنة الثانية للهجرة، والحقيقة، وما نراه، ليس في كل هذه الوقائع والأحداث والشخوص والمسميات صدفة في السرد ولا عشوائية في الاختيار:

 1) ولكن تحقيقًا لعقيدة التوحيد، والربط بين القبلتين الأولى والثانية، وبين القدس الشريف ومكة المكرمة.

 2) ولتركيز الاهتمام على المسجد الأقصى المبارك، أنه سوف يظل بؤرة استقطاب بين الأمم وساحة صراع في التاريخ، فيتداعى المسلمون للذود عنه، كلما تعرض لعاديات الزمان.

 3) ولاستحضار الامتداد التاريخي، الديني والثقافي والاجتماعي الكبير للأمة في وجدان المدافعين عنه

4) ولحشد المخزون البشري الكبير والمقدرات الهائلة التي وهبها الله لها في المعركة، في كل مرحلة وحرب يتعرض لها المسجد المبارك.

 5) وللربط على قلوب المرابطين فيه، والمنافحين عنه، كلما عانوا من جور عدو وتردد صديق وخذلان قريب.

ثانيًا- المضمون العام للسورة:

وبالانتقال من البيئة المحيطة بالسورة إلى داخلها نجد أنها تعرض مجموعة من المضامين العقدية والأخلاقية والسلوكية، التي نرى أنها تعالج انحرافات بني إسرائيل، الدينية والنفسية والاجتماعية، وتحض الأمة المسلمة، وريثة النبوة، المكلفة بتتبير علو بني إسرائيل وتدمير إفسادهم، على التمسك بقيم الحق والفضيلة التي أهدرها بنو إسرائيل في معتقداتهم وممارساتهم، مهما حرفوا ومهما فعلوا من سوء واقترفوا من منكرات، بزعم أنهم الأحق في الحياة والرفعة، وهي:

  • الرفع من شأن النبوة والاحتفاء بالأنبياء، بذكر حادثة الإسراء بنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم (الآية 1)، والعروج به في السماء، كما ذكر في مواقع أخرى من القرآن العظيم والسنة الشريفة، وفي المقابل نعلم الصورة المتدنية للأنبياء في الفكر والعقيدة اليهودية، مما سردناه في المبحث (1).
  • أن القرآن يهدي للتي هي أقوم، وما يتضمنه ذلك من ضرورة التمسك بقيمه والسير في هديه (الآية 9). ونعلم أن غيره من كتب والتوراة جرى تحريفها وإخراجها عن المضمون الإنساني لرسالات السماء.
  • أن كل إنسان يتحمل عاقبة فعله (الآية 15)، ونعلم أن اليهود، من عقائدهم، قتل المسالم والمحارب، والصغير والكبير، والطفل الرضيع والجنين في بطن أمه، والبشر والبقر والشجر والحجر، وكل شيء، نقمة، دون تمييز أو تحقيق أو محاكمة ما دام الأمر يتعلق بغيرهم.
  • أن الله لا يعاقب أمة إلا بعد إقامة الحجة عليها، بإرسال نبي أو بلوغ دعوة (الآية 15)، واليهود لا يقرون بدعوة لغيرهم، ولا برسالة محمد وقد بلغتهم، ويصرون على اتباع باطل حاخاماتهم وأقوال سفائهم.
  • أن عاقبة الإفساد في الأرض هي الدمار والخراب (الآيتان 16و17)، ولقد عرفنا طبيعتهم المجبولة بالفساد، ومن ثَمَّ فإن مصير إفسادهم هو التتبير والتدمير.
  • أن من لا يؤمن بالآخرة ويجعل الحياة الدنيا هي غاية همه ومبلغ حلمه يعطيه الله منها ويخسر الآخرة ويكون مصيره النار، ومن عمل للدارين يعطيه الله جزاء عمله في الدارين (الآيات 18-22)، ونعلم عن اليهود إقبالهم على الدنيا والحرص على الحياة، وإعراضهم عن الآخرة وما يقرب لها من خصال.
  • الدعوة للتوحيد الخالص لله، بحسب الشرك أساس انحراف العقل واختلال التفكير (الآيتان 22 و23)، ونعلم مدى انحراف يهود، بتجسيدهم للإله في صورة بشر محدود القوى وأنه يخصهم دون غيرهم.
  • الحض على التواضع وعدم الاستعلاء على الناس (الآية27)، وعرفنا كيف ينظر اليهود لأنفسهم باستعلاء وغيرهم مجرد حيوانات وعبيد وكائنات نجسة.
  • النهي عن الشح والبخل والدعوة للاعتدال في الإنفاق، وحفظ مال اليتيم (الآيات 29- 31)، والمعروف أن اليهود يحبون المال حبًا جمًا ويجمعونه جمعًا، ولا يعترفون لغيرهم بحق في مال وتملك!
  • تحريم الزنا وقتل الطفولة ومنع الإنجاب وقتل النفس والإسراف في القتل (الآيات 31-33)، ونعرف من عقائد يهود الدعوة للزنا بنساء غيرهم، وللقتل والإبادة وكراهية الإنجاب لغيرهم والحد من تكاثر غيرهم.
  • الدعوة للالتزام بالمواثيق والوفاء بالعهود والمكاييل (الآيات 34 و35)، واليهود كما عرفنا لا حرمة لغيرهم في معتقداتهم، ولا يقيمون عهدًا لغيرهم في معاملاتهم، فلا يوقعون ميثاقًا إلا وهم يبيتون نقضه.
  • التأكيد على حقيقة تكريم الله للإنسان وتفضيله على سائر المخلوقات (الآية 70)، على نقيض عقائد وسلوك اليهود الذين يرون الشعوب بهائم وحيوانات منحطة خلقت في هيئة بشر.
  • المفاضلة بين الناس يوم القيامة تكون بالتقوى (الآية 75)، واليهود لا ينظرون إلى الشعوب بحسبها مكلفة، ولا يهتمون بالبعث والحساب في الآخرة، فيجيزون لأنفسهم ما لا يجيزون لغيرهم.
  • التأكيد على التمسك بقيم الحق، وأن من يشذ عنها فهو هو أعمى في الدنيا والآخرة (الآيات 71- 84)، ونعلم مدى شذوذ عقائد اليهود وحقدهم على الشعوب ونعتهم الأنبياء بأقذع الأوصاف.
  • التأكيد على أن الروح من أمر الله، لا يعلم الإنسان من أمرها شيئًا (الآية 85)، ونعلم افتراء اليهود أنهم من روح الله وغيرهم من أرواح شيطانية، ومن المعلوم أن هذه الآية نزلت للرد على سؤال أعده للنبي صلى الله عليه وسلم يهود المدينة، لاختبار صدق نبوته.
  • الحديث عن نبي الله موسى عليه السلام ومعجزاته ووعد الآخرة، (الآيات 101- 104)، وهو ما يؤكده الواقع المعاش، فقد جاءوا لفيفًا من أنحاء الأرض، كما سنرى لاحقًا في الفقرة التالية من هذا المبحث.
  • كما تضمنت السورة الكريمة موضوعات أخرى: عقائد وشرائع وأخلاقًا وقصصًا… الخ، كلها تدور حول محورها وفكرتها الأساسية.

ثالثًا- مَرْكز السورة أو محورها (وفكرتها الأساسية):

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَٰفِرِينَ حَصِيرًا﴾ [الإسراء 1-8]..

﴿وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ﴾ [الإسراء 104].

يدور محور سورة الإسراء أو فكرتها الأساسية، حول علاقة المسلمين باليهود وخص منهم بالذكر بني إسرائيل بحسبهم محرك الأحداث الجسام والإفساد العظيم في التاريخ، ونسب إلى نفسه، دون الذكر بالاسم، أقوامًا بعينهم يسلطهم عليهم لتتبير علوهم وإفسادهم في كل مرة، ونعلم أن المعركة بين المسلمين واليهود ظلت مستمرة منذ أن وطأت قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريفتين أرض المدينة المنورة، وسوف تظل رحاها دائرة إلى آخر الزمان ([15])، وكما يفهم من الآيات الكريمة فإن هذا التاريخ الطويل من العداء سوف يشهد علوين وإفسادين، هما الأكبر لبني إسرائيل في الأرض، في التاريخ، وعددًا من حالات العلو والإفساد الأقل شأنًا، وفيما يلي البيان:

الإفسادُ الأول: وبالنظر لما ذكرناه من آراء العلماء في وعد الآخرة (الفقرة 1.5) ووقائع القضية الفلسطينية التاريخية (الفقرة 3) نستطيع القول إن إفساد بني إسرائيل الأول كان في جزيرة العرب، وأن تتبيره كان في عهد النبوة والدولة الراشدة، في المدى الزمني من 1- 15 للهجرة ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا﴾، ويذكر أن اليهود كانوا قد أنشأوا لهم تجمعات في انحاء متعدد في الجزيرة العربية، في اليمن وحضرموت واليمامة ودومة الجندل ونجران وفدك وخيبر ويثرب (المدينة المنورة)، وكانوا حين قَدِمَ المسلمون المدينة المنورة قد علوا فيها وأثاروا العداوات والفتن بين أهلها، وأرهقوهم بالديون والربا وفرقوهم وأخضعوهم لسلطانهم، وكانوا يتجهزون لتتويج سيدهم، عبد الله بن أبي سلول، ملكًا على المدينة، فأحبط المسلمون أحلامهم وأقاموا دولة الإسلام الأولى، فنقض اليهود ميثاق المدينة (أو الدستور الذي أنشأه رسول الله صلى الله عليه وسلم) وتآمروا على الدولة الناشئة، وتواصلوا مع أعدائها، من مشركي العرب والروم والفرس، يحرضونهم على قتال المسلمين واستئصال شوكتهم قبل اشتداد عودها، وتسببوا في إشعال نار أربعة حروب ضارية مع المسلمين، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان نتيجتها إجلاء قبائلهم الثلاث، من المدينة المنورة (بنو النضير سنة 3 ه، وبنو قينقاع سنة 3 ه، وبنو قريظة سنة 5 ه)، وفتحَ مدينة خيبر وإخضاعها لسلطان الدولة المسلمة، سنة 7 ه، وعندما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة (13-23 ه) أمر بإخراجهم من خيبر وفدك ونجران، إنفاذًا للحديث الشريف “لَا يَجْتَمِعَنَّ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ”([16])، فتفرقوا في الشام والعراق، وتوّج رضي الله عنه حربه عليهم، بفتح بيت القدس أول مرة، سنة 15 للهجرة، وقام بتحرير ميثاق أمان لأهلها، سمي في التاريخ الإسلامي “العهدة العمرية”، ضمنه نصًا صريحًا بإخراج اليهود منها، استشرافًا منه للمستقبل، وخط بذلك نهاية حلمهم في التجمع، وأرّخ لدخول المسلمين المسجد الأقصى أول مرة:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبدُ الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها، وسائر ملتها: أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا يُنقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود”([17]).

الإفسادُ الثاني: وباستخدام نفس الخوارزمية، والخلفية العلمية، واستنادًا إلى ما استجد من وقائع وأحداث بطوفان الأقصى فإن ما نراه أن علو بني إسرائيل وإفسادهم الثاني هو ما نعيشه اليوم، وهو يشمل الأحداث التي وقعت في المدى الزمني الممتد من بدء الفكرة الصهيونية في أوروبا في القرون الوسطى، وتأثيرهم الديني والسياسي على الغرب، مرورًا بتجمعهم وإعلان إنشاء كيانهم في فلسطين في منتصف القرن الماضي، وحتى السقوط المرتقب لهذه الدولة الدويلة، سواء بمعركة طوفان الأقصى، أو بسبب تداعياتها المتوقعة، أو بعد معركة أو معارك أخرى ستنشب لاحقًا بينهم وبين المسلمين، وهو ما نميل إليه، وربما كانت طوفان الأقصى هي الحاسمة، وما بعدها هو ارتدادات لها تنتهي بزوال الكيان مثل ارتدادات الزلزال تأني على ما ظل قائمًا من أطلال وخرابات، وبتأمل الآيات الكريمات نجد الكثير من المعاني، ذات الدلالة الإعجازية، التي تؤيد هذا الاستنتاج: فرغم أن اليهود أقلية دينية عرقية، كانت منبوذة ومشتتة في العالم، فلقد تمكنوا من استجماع قوتهم وإعادة الكرة على المسلمين وهم كثرة تحقيقًا لقوله تعالى “ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾، وهو، كما قلنا سابقًا لم يكن المفسرون الأول يتوقعونه، فحملوا الإفسادين على ما كان قبل الإسلام، ولكنه حصل وها نحن نعيشه اليوم، وهذه من مظاهر إعجاز النص القرآني، ومن مظاهر الإعجاز أنهم في هذه المرة (الراهنة) علوْا علوًا كبيرًا، وليس في فلسطين وحدها ولكن في العالم كله، فغدوا يملكون أصول المال والبنوك والشركات الكبرى العابرة للحدود، والصناعات ووسائل الإعلام والجمعيات السرية الفاسدة وقوى الضغط ومراكز صنع القرار.

وتمكنوا، من الوصول إلى مستويات عليا في إدارات الدول، وأصبحوا يرسمون سياساتها ويتحكمون في قراراتها، وأقاموا دولتهم في قلب أمة ممتدة معادية لهم ومنطقة نابذة لهم، وأداروا معاركهم مع العرب والمسلمين باقتدار، أيًا كانت الطرائق والوسائل التي اتبعوها، وقتلوا وشردوا وأفسدوا بلا وازع من خلق ولا مانع من ضمير ولا رادع من الأمم، وهي حالة من العلو والإفساد لم يبلغوا مثلها في التاريخ كله ﴿وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾، ومن مظاهر الإعجاز في القرآن العظيم، وما تحقق على أرض الواقع في أوضح صوره، إمدادهم الكبير اليوم بالمال والبنين، والنفير الكثير﴿وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾.

ولقد رأينا كيف حشدوا، في معركة طوفان الأقصى ما يزيد عن نصف مليون جندي، في وقت قصير، نسبيًا، وكيف نفر العالم لإسنادهم وإمدادهم بكل ما يحتاجون من مال وسلاح وجنود وسفن وطائرات وخبرات ودعم عملياتي واستخباراتي ورصد وتوجيه عبر الأقمار الفضائية وفرق اكتشاف الأنفاق وأسلحة متطورة وقنابل عملاقة وخطوط نقل وجسور برية وبحرية وجوية، وشبكات إمداد، عبر العالم، بكل ما يحتاجون من زاد ومال وعتاد، وغرف عمليات مشتركة، كل ذلك في مواجهة قلة، بضع عشرات الألوف من المقاتلين المحاصرين من كل اتجاه، ولا يملكون شيئًا من الطعام أو الشراب أو الدواء والسلاح، وهو مما لا شك فيه الحصار الأشد في التاريخ على المقاومين والنفير الأكثر في التاريخ كله ليهود، أخبر به القرآن العظيم، قبل أربعة عشر قرناً، يوم نزلت سورة الإسراء في بطاح مكة، في عام الحزن والضعف المادي للدعوة الإسلامية، وكأني بالنص القرآني يفيد أن الله عز وجل أوحى يومها لنبيه عليه السلام، الكسير القلب، المعذب من أهله: أن شأنك (يا محمد!) وأمتك سيبلغ آفاق الأرض بالنصر في الآخرة (معركتنا مع يهود) كما علا شأنك فبلغت آفاق السماوات والأرض بالإسراء والمعراج في الأولى.

ومن مظاهر الإعجاز ما تحقق من إساءة وجوه يهود في معركة طوفان الأقصى ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾، فبعد قرون من كدهم لإحاطة أنفسهم بهالة من القدسية والسامية المزعومة، وبناء صورة ذهنية شعورية في خلد الشعوب بأنهم الحمل الوديع والشعب المتحضر، جاءت الطوفان لتنسف هذه القناعات الزائفة رأسًا على عقب، فإذا بهم يظهرون على حقيقتهم التوراتية المحرفة والتلمودية المنحرفة والسلوكية الشائنة، وإذا بموجات الكره والاستنكار العالمي لجرائمهم في غزة تنتشر في الأرض، وإذا بقادتهم يطاردون في المحاكم الدولية، بتهم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، وهي وإن حاولوا التنصل منها مؤقتًا فستبقى تلاحقهم في كل مكان ولأمد بعيد، ولا شك أن ذلك من أشكال إساءة وجوه اليهود التي لم يشهد التاريخ مثلها، ونتوقع أنها لن تقف إلا بزوال كيانهم لارتباط ذلك في النص القرآني بتتبير إفسادهم.

الأقوامُ المسلطونُ عليهم: ومن مظاهر الإعجاز البياني في قوله تعالى ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ وصفُ عملية التتبير بالبعث، فالبعث يجمع بين الحركة والقوة، ونسبة هذا البعث لنفسه سبحانه بضمير المتحدث المتصل تفيد أن الله هو من يتولى البعث، في كل مرة، فهي معركة لله، والله لا يدفع أمة أو طائفة لقتال عدوه وعدوها ثم يتخلى عنها ويخذلها، ووصْفُ الأقوام المسلطين على بني إسرائيل، في جميع مرات علوهم في الماضي والحاضر والمستقبل، بعبارة عِبَادًا لنَا”، ونرى أنها تعني المسلمين (دون غيرهم)، كما ذكر قدماء المفسرين، لسببين:

الأوّل: لأن الله حاشى أن يبعث أناسًا فاسدين ليتبروا فساد غيرهم، ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن ثَمَّ فإن هذه المهمة والصفة ليست إلا للمسلمين ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ﴾ [الحج: 41]، ولقد أثبت التاريخ أنه ما من أمة ظهرت على أمة أخرى بالقوة العسكرية وأقامت هذه المعايير والتزمت هذه القيم غير المسلمين، لأنها أساس وجوهر دعوة الإسلام.

والثاني: لارتباط الحدث بما أصفه مجموعة من الصور المعنوية والاعتقادية المتقابلة، المترابطة المتلازمة، التي لا تنفصم عراها ولا ينفك رباطها مهما طال الزمن واشتدت الخطوب، وهي: مكة المكرمة والقدس الشريف، مبتدأ الإسراء ومبتدأ المعراج، المسجد الحرام والمسجد الأقصى، القبلة الأولى والقبلة الثانية، نبي الله موسى ونبي الله محمد عليهما السلام، ومن هذه الصور يمكن أن نستشف صورة أخرى: أن الأمتين المعنيتين بهذا الصراع هم: بنو إسرائيل بالفساد والإفساد والمسلمون بالتتبير وإساءة الوجه، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلوًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى… شَكُورًا﴾. وهذا يؤكد أن المسلمين هم المعنيون بالخطاب الإلهي ” عِبَادًا لَّنَا” في جميع مرات التتبير، وفي وعد الآخرة، إذ إن هذه المتقابلات ليست لغير الأمة المسلمة لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل: فمن يكون من يدخل الأقصى ليقابل عمر رضي الله عنه؟

ومن مظاهر الإعجاز، في النص القرآني وصفُ العباد الذين يسلطهم على بني إسرائيل بأنهم أولو بأس شديد، ولقد علمنا في كتب السير والتأريخ مدى صلابة وقوة الصحابة، في التتبير الأول، وشهدنا بأم أعيننا مدى صلابة وقوة المجاهدين، في معركة طوفان الأقصى، إنك ترى اليوم قلة تقف في وجه قوة مدججة بكل أنواع السلاح وأدوات القتل والتنكيل والفتك، يقف وراءها عالم بكل قواه وتقنياته ووسائله، ونشاهد المقاتل المسلم ينطلق نحو تجمعات جيوش العدو، بسلاح خفيف وملابس رثة، وحافي القدمين أحيانًا، فيلصق بيديه قذيفة لا تكلف سوى عشرات أو مئات الدنانير، بجدار دبابه، ثمنها 6-7 مليون دولار، فتشتعل فيها النار كأنها علب الكرتون، أو يهاجم تحشدًا من جنود العدو بكل عتادهم، من مسافة صفر، وهي العبارة التي برزت في حروب المقاومة، وأصبحت متداولة، على كل لسان، للتندر ببسالة المجاهدين والتفكه بدبابة العدو، المزودة بجدار من الحديد الصلب، سمكه 45- 60 سنتيمتر، وبنظام استشعار عن بعد ونظام اتصال مع الأقمار الفضائية يُمَكِّنُها من رصد أي إنسان يقترب منها، بزاوية 360 درجة، وبنظام إطلاق نار، ذاتي، باتجاه كل من يحيط بها أو يقترب منها، وعلمنا من ضعف عزيمة عدوهم وجبنهم، أنهم يبقون متسمرين في الدبابات، لخوفهم من الترجل، ثم يحترقون فيها، وإذا ترجلوا وجدوا من يقتلهم من جنود المقاومة البواسل.

وهذه الصورة في المواجهة بين عباد الله أولي البأس الشديد في وعد الآخرة يقابلها صورة معارك التتبير الأول في عهد النبوة والخلافة الراشدة، ومنها يمكن استشفاف صورة أخرى جميلة، وهي إذا كانت المعارك الأولى وشدة بأس عباد الله فيها قد أسست وكرست قواعد دولة الخلافة الراشدة الأولى فلا غرو أن تؤسس الجولة الحالية لانهيار كيان بني إسرائيل، وإرساء قواعد دولة الخلافة الراشدة الثانية التي في الحديث: “تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ”([18]).

مكان وزمان التتبيرين الأول والثاني: ومن مظاهر الإعجاز وصف عملية التتبير الأول بقوله تعالى “فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا” وفيها إيماءة أن الإفساد الأول، وقع في المدينة المنورة والجزيرة العربية، يوم كان المسلمون واليهود يعيشون معًا في نفس المنازل والمهاجع، فكانت عملية التتبير جوسًا، وأصل الجوس كما في كتب التفسير، هو طلب الشيء باستقصاء واهتمام([19])، أو التخلل في البلاد وطرقها ذهابًا وإيابًا لتتبع ما فيها([20])، فترددوا بين الدور والمساكن([21])، في قوله تعالى ﴿وَعْدًا مَفْعُوْلًا﴾ إيماءة إعجازية أخرى، تفيد تحقق وقوع الشيء، بمعنى أن التتبير الأول حصل وانقضى، وليس كما ذهب بعضهم إلى أنه لم يأت بعد، أو أنه يتعلق بما نحن فيه اليوم من حرب بين المسلمين وبني إسرائيل في فلسطين، كما ذهب الدكتور طارق سويدان.

وصورة بلاغية إعجازية أخرى، ودليل على أن التتبير الثاني هو ما نشهده اليوم نجدها في قوله تعالى ﴿وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾، وكأنّا بهذا النص، وتأخيره إلى آخر السورة الكريمة، يضعنا أمام صورة يظهر فيها جسم، أو كمّ بشري منتشر في أرجاء الأرض في وقت ما، ثم ما يلبث أن ظهرت قوة، أو فكرة جمَّعته (الصهيونية)، فالتف حول نفسه كما يلتف الإعصار الشديد حول نفسه، ثم ينزاح ليضرب في مكان واحد (قلب الأمة الإسلامية فلسطين)، وهي صورة إعجازية تعبيرية بليغة تكاد تكون رباعية الأبعاد (ثلاثة في المكان ورابع في الزمان)، إذا علمنا أن يهود العالم التفوا حول أنفسهم ماديًا ومعنويًا، من أنحاء الأرض، وتدافعوا إلى فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ويمكن أن نستشف من كون الآية الكريمة ليست الأخيرة في سورة الإسراء، ولكن تحمل الرقم 104 من 111 آية هي آيات السورة، ما يؤشر على وجود مرات علو وفساد، بعد المرة الثانية، ولكنها ستكون أقل شانًا، في القوة المادية وفي الزمان والمكان، كما نبين آتياً:

العودة للإفساد وعلامات الساعة الكبرى:

يفيد التعبير القرآني ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾ أنه سيكون لبني إسرائيل عودة للعلو والإفساد في الأرض بعد مرتي الإفساد الأول والثاني، وأقل عدد نتوقعه (من حيث اللغة) هو مرة واحدة، وأنها تكون في آخر الزمان، كما تدل مجموعة الأحاديث الشريفة التي سنوردها، ن وأن المسلمين الملتزمين، هم من سوف يسلطهم الله عليهم فيها أيضًا، لأن المسلمين هم من سيرث الأرض بنزول المسيح عليه السلام، لما يفيده الحديث الشريف: “وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَما فِيهَا”([22]).

ويمكن أن نفهم من هذا الحديث الشريف أيضًا أن المسلمين سيكونون في حالة عداء مع اليهود والنصارى، ومُضيَّقٌ عليهم منهم، فينزل الله المسيح عليه السلام، فينصرهم، ونتوقع أن علوهم بعد الثانية أو الآخرة، سواء مرة أو مرات، سيكون في فلسطين أو غيرها، بدولة أو بدون دولة، كتجمعات بشرية، أو مجموعة مدعومة من دول وامبراطوريات، نصرانية أو عيرها، كما كان في جزيرة العرب قبل الإسلام، وسوف يملكون، ومعهم الصهيونية العالمية، سيطرة اقتصادية، وسوف يطورون وسائل صناعية، مثل الشرائح الإلكترونية المزروعة، يؤثرون بها على قناعات الناس، فيتبعهم الكثيرون، وهم يعرفون أنهم كفار، وسوف يتكلل علوهم في المرة الأخيرة منها بظهور المسيح الدجال([23])، كما في الأحاديث التي يعزز بعضها بعضًا، فينزل الله تعالى المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فيقاتل الدجال، ويقتله، ويكسر الصليب، ويسود الإسلام والسلام، وتنتشر العدالة في الأرض، وفي الحديث الشريف: ” الدَّجَّالُ يَخْرجُ مِنْ أرضٍ بالمَشرِقِ يُقالُ لها خُراسَانَ يَتبعُه أَفْواجً كأنَّ وُجُوهَهُم المَجَانُّ المُطَرَّقةُ “([24])، ” يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِن يَهُودِ أصْبَهانَ سَبْعُونَ ألْفًا عليهمُ الطَّيالِسَةُ”([25])، “إنَّه خَارِجٌ خَلَّةً بيْنَ الشَّأْمِ والْعِرَاقِ”([26])، “أَلَا إنَّه في بَحْرِ الشَّأْمِ، أَوْ بَحْرِ اليَمَنِ، لا بَلْ من قِبَلِ المَشْرِقِ، ما هُوَ من قِبَلِ المَشْرِقِ، ما هُوَ من قِبَلِ المَشْرِقِ، ما هُوَ، وَأَوْمَأَ بيَدِهِ إلى المَشْرِقِ” ([27]). “يَمكُثُ في الأرضِ أربَعينَ صَباحًا، مَعَهُ جِبالُ خُبزٍ وأنْهارُ ماءٍ، يَبلُغُ سُلطانُه كلَّ مَنهَلٍ، لا يأتي أربَعةَ مَساجِدَ.. المَسْجِدَ الحَرامَ، والمسجِدَ الأقْصى والطُّورَ والمَدينةَ”([28])، ” فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، فَيَطْلُبُهُ حتَّى يُدْرِكَهُ ببَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ”([29])، ” وأنا أولى الناسِ بعيسى ابنِ مريمَ لأنه لم يكنْ بيني وبينَه نبيٌّ، وإنه خليفتي على أمتي، وإنه نازلٌ، فإذا رأيتموه فاعرِفوه”.

والجمع بينَ هذه الروايات: أن مبتدأ خروج الدجال هو من أرض خرسان ومعه سبعون ألفًا من المقاتلين أو الأتباع، من يهودها، وأنه يخرج إلى الشام، ويقيم قرب دمشق، ثم يخرج إلى الحِجازِ، من حَلَّةٍ بمعنى مكان بينَ العِراقِ والشَّام، أو خَلَّةٍ فيهما أو فيما بينهما (من الخلل)، وله امتداد أو صدى أو علاقة ما أو مؤيدين في اليمن، وأن المسيح عليه السلام يخرج قرب دمشق، أو الأردن أو بمعسكر المسلمين، ويحارب الدجال ويتبعه فيقتله عند باب لد، ونعلم اليوم أن اليهود أنشأوا مطارًا لهم في مدينة اللد في فلسطين منذ قيام كيانهم، وأنه الباب والمنفذ الأهم للكيان مع العالم الخارجي، وأن المقاومة إذا أرادت أن تقطع على الكيان طرق التزود وجهت صواريخها إلى هذا المطار، والناظر فيما يجري حاليًا في المنطقة، من أحداث، يشعر بأن فيها تتشكل خلفية طائفية شعوبية، قد يستغلها اليهود للحرب علينا، في مرحلة لاحقة، بعد تتبير العلو الثاني لليهود، وهدم دولتهم في فلسطين.

النتائج والتوصيات:

 نخلص من هذا البحث إلى أهم النتائج والتوصيات التالية:

أولًا: إن الصهيونية العالمية بشقيها (المسيحي واليهودي) حركة عنصرية منحرفة، لا تمت للدين السماوي بصلة، وتشكل وبالًا على البشرية كلها، ونذير حرب وقتل وسفك دماء، منذ أن نشأت بذرتها الأولى، في القرون الوسطى بالانشقاق عن الكنيسة (الكاثوليكية).

ثانيًا: إن رسالة السماء متمثلة في الإسلام، أصلها الذي لا يزال يحتفظ بنقائه وصفائه، ونظريته العلية للإنسان والحياة، هي من يعول عليه، وسوف يخلص العالم من هذه اللوثة، مهما امتد الزمان واشتدت المعاناة،

ثالثًا: إن مصير الكيان الإسرائيلي المتجبر، الدخيل على المنطقة إلى الزوال قريبًا، وربما تشكل معركة طوفان الأقصى قدرًا إلهيًا يؤسس لتسريع هذه النهاية، وإراحة البشرية، بما كشفت من طبيعة هذا الوحش، المتمثل في جلد حمل، وفكره الخالي من كل قيمة إنسانية.

رابعًا: إن سورة الإسراء ذات الأبعاد الثلاثة، بيئتها التي نزلت فيها ومضمونها العام وفكرتها الأساسية، المفترضة من الباحث، كل متكامل ومترابط، يدور حول محور واحد، أو فكرة أساسية، هي باطل بني إسرائيل وتحريفهم المشين لعقائد السماء، وإفسادهم الشنيع في الأرض، وتتضمن من إعجاز النص القرآني العديد من الصور المتقابلة، لحقيقة هذه المضامين.

خامسا: إن من واجب عباد الله الذين يمثلهم المسلمين الأنقياء الأتقياء الأصفياء الربانيين وريثي النبوة، الذين أنعم الله عليهم، بتتبير علو بني إسرائيل، ومن يؤيدهم من شعوب وأمم في قناعاتهم الإنسانية مما ذكرنا في مقدمة هذا البحث، إحياء قيم السماء وإقامة دين الله وشرائعه التي أهدرها المغضوب عليهم من بني إسرائيل (الصهيونية اليهودية)، ومن تبعهم في انحرافاتهم على غير هدى، وأيدهم في جرائمهم، بحق الإنسانية كلها، من المسيحيين الضالين (المسيحية الصهيونية)، وتتبير علوهم في كل مراته.

سادسًا: إن الصراع بين الأمتين الربانية والمنحرفة، تجسد، في أوضح صوره، مرتين، أو كرتين، الأولى: في صدر الإسلام، عندما تبّـر سول الله صلى الله عليه وسلم، وصحبه رضوان الله عليهم، علوهم وإفسادهم في المدينة المنورة وجزيرة العرب، وتكلل جهادهم بدخولهم القدس الشريف، والمسجد الأقصى المبارك، أول مرة، سنة 15 للهجرة، وتوقيع العهدة العمرية، التي نصت على إجلاء اليهود عن المدينة المقدسة، والثانية: هي عودة اليهود لفيفًا من أنحاء الأرض، في العصر الراهن، والسيطرة على الأرض المباركة بالقوة، وإنشاء كيانهم فيها، وعلوهم علوَا لم يشهد التاريخ قبله علوَّا لهم مثله، وهو ما يؤشر بوضوح على أننا نعيش إفسادهم الثاني المقصود في سورة الإسراء.

سابعًا: أن معركة الطوفان المجيدة هي الموقعة الحاسمة في هذه الكرة الثانية، وستأسس لنهاية كيانهم وتتبير علوهم وإفسادهم، ودخول المسجد المبارك ثاني مرة، بمعنى تحريره، أو كف يدهم عنه في البداية، وإن الحرب ستبقى سجالًا بيننا وبينهم حتى قيام الساعة، وأنهم سوف يعودون للظهور والإفساد، وهزيمتهم على يدي عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان، ونتوقع لن تكون تلك الكرة بقيام كيان لهم في الأرض المباركة ولكن ظهور وقوة وغزو فكري عسكري كبير مدعمًا بوسائل تقنية تؤثر على سلوك الناس وإيمانهم وقناعاتهم، ونرى أن ظهور المسيح الحقيقي عليه السلام في آخر الزمان فيه حكمة القضاء على الفكرة المسيحية المحرفة التي تمثلت كما قلنا في ما يعرف بالصهيونية المسيحية، ما يضفي قيمة عظيمة على هذه العقيدة القرآنية وإعجاز الحديث الشريف.

ثامنًا: أن الأمة، حكوماتها وعلمائها وحركاتها وقياداتها، لم تكن على مستوى رسالة السماء، لتساهم في صنع الحدث، وتسريع نهاية الكيان أو حتى إنقاذ غزة، بل أقل بل خاذلة وبعضها وجد نفسه، راعبًا أو مكرهًا، في صف العدو، وإن الواجب الشرعي، والضرورة الحياتية للامة والبشرية كلها، تقتضي إعادة قراءة النصوص الدينية، في ضوء واقع الحياة، ليكون أكثر فهمًا لتطور الحياة، وقربًا للواقع الذي نشأ بعد انهيار الدولة الإسلامية، قبل مئة سنة، ولتكون حركة الإسلام (السياسي) أكثر إنتاجية وأشد تأثيرًا في الشعوب وأقدر على قيادة المرحلة وتغيير حركة التاريخ، وفي أهم الميادين: الدولة، والنقود، والجيوش، والإعلام، كما بينا في السياق.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

المصادر والمراجع:

ابن حنبل أحمد، مسند الإمام أحمد، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، الرسالة، ط1، 1421.

ابن عاشور، محمد الطاهر، تفسير التحرير والتنوير، تفسير سورة الإسراء ج 16 ص 28، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس.

ابن كثير، إسماعيل بن عمر- تفسير القرآن العظيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419ه.

البخاري، محمد بن إسماعيل- صحيح البخاري، الرسالة ناشرون، 2018.

بسيوني، محمود ، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان- المجلد الثاني، دار الشروق، القاهرة، 2003، موقع جامعة مينيسوتا.

البغوي ( الحسين بن مسعود بن محمد)، تفسير معالم التنزيل. تحقيق: حققه محمد عبد الله النمر وآخرون، دار طيبة للنشر والتوزيع، 1417 هـ .

بو ادميع الحسين، هل في القرآن نبوءة بنهاية الكيان الصهيوني، مجلة البيان الرقمية -العدد 361، 25/5/2017.

بو ادميع الحسين، هل في القرآن نبوءة بنهاية الكيان الصهيوني، مجلة البيان الرقمية -العدد 361، 25/5/2017.

الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، سنن الترمذي، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي – بيروت، 1998م.

الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الملقب بفخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب ( التفسير الكبير): (المتوفى: 606هـ)، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط3، 1420ه.

الطبري، محمد بن جرير ، تفسير جامع البيان عن تأويل آي البيان – ط 1 ص 454، دار هجر- القاهرة، 2001.

الطحاوي، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك، شرح مشكل الآثار ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى – 1415 هـ، 1494 م

الطنطاوي، محمد السيد ، التفسير الوسيط، ج 1 ص 2047، دار المعارف- القاهرة.

القرطبي، (محمد بن أحمد)، تفسير الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ – 1964 م.

موقع الأمم المتحدة، مقال “تحليل أممي بالأقمار الصناعية: 66% من مباني غزة لحقت بها أضرار، 30 أيلول (سبتمبر) 2024.

 موقع الجزيرة، بعد عام على الحرب: خسائر غزة الاقتصادية المباشرة 33 مليار دولار، 6/10/2024.

موقع الفضائية التركية تي آر تي مقال ” اكتشف “لعنة العقد الثامن”… هل ستزول إسرائيل عام 2027؟ ، 4/11/ 2023.

موقع الفضائية الروسية  “الإعلام الحكومي بغزة ينشر إحصائيات ” حرب الإبادة الإسرائيلية” على قطاع غزة، (آر تي)، 6/10/ 2024.

موقع جلوبال فير بور الأمريكي لعام 2024.

النيسابوري، مسلم بن الحجاج القشيري ، صحيح مسلم، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت. 


 ([1])  تاريخ استلام البحث، 1/11/2024م، وتاريخ قبوله للنشر، 15/12/2024م

([2]) انظر موقع جلوبال فير بور الأمريكي لعام 2024.

([3]) انظر مقال “تحليل أممي بالأقمار الصناعية: 66% من مباني غزة لحقت بها أضرار، موقع الأمم المتحدة.، 30 أيلول (سبتمبر) 2024.

([4])انظر “الإعلام الحكومي بغزة ينشر إحصائيات ” حرب الإبادة الإسرائيلية” على قطاع غزة، موقع الفضائية الروسية (آر تي)، 6/10/ 2024.

([5])انظر بعد عام على الحرب: خسائر غزة الاقتصادية المباشرة 33 مليار دولار، موقع الجزيرة، 6/10/2024.

([6]) يقصد بالإعلام المتصهين: المتأثر بالدعاية الدينية اليهودية وهذا قد يكون عربيًا خالصًا، أو يهوديًا وإسرائيليًا خالصًا، مثل بعض الفضائيات التي تبث باللغة العربية من دول عربية وهذه أخطر.

([7]) انظر على سبيل المثال تفسير الآيات: الطنطاوي محمد، تفسير الوسيط. والبغوي (مسعود بن محمد)، تفسير معالم التنزيل. وابن كثير (إسماعيل بن عمر)، تفسير القرآن العظيم. والقرطبي (محمد بن أحمد)، تفسير الجامع لأحكام القرآن.

([8]) انظر المصدر السابق (التفاسير).

([9]) انظر بو ادميع الحسين، هل في القرآن نبوءة بنهاية الكيان الصهيوني، مجلة البيان الرقمية -العدد 361، 25/5/2017.

([10]) يقصد بحرب شاملة: اشتراك مجموعة من الدول العربية فيها، وهنالك حروب كان العدو ينفرد فيها بدولة عربية واحدة مثل حرب 1982 على لبنان ومعركة الكرامة عام 1968 على أرض الأردن، وسوف يلي ذكرهما في سياق المادة لاحقًا.

([11]) منتدى مصابيح الأقصى: مجموعة فكرية عالمية من علماء ومهنيين وقادة حزبيين، متخصصة في قضايا القدس والأقصى وفلسطين، تعمل على نشر الوعي في هذه القضية بين النخب ومواقع التأثير في العالم، يجري حاليًا تسجيلها كجمعية توعوية، ويرأسها الباحث (الدكتور علي المر).

([12]) انظر مقال ” اكتشف “لعنة العقد الثامن”… هل ستزول إسرائيل عام 2027؟ موقع الفضائية التركية تي آر تي، 4/11/ 2023.

([13]) انظر بو ادميع الحسين، هل في القرآن نبوءة بنهاية الكيان الصهيوني، مجلة البيان الرقمية -العدد 361، 25/5/2017.

([14]) بينت الدراسات المشار إليها كما ورد في بحث الدكتور بو دميع أن أكثر من 90% من يهود العالم اليوم ذوو رؤوس عريضة، في حين أن يهود بني إسرائيل الأنقياء (زمن نزول التوراة) هم طوال الرأس.

([15]) يخبرنا القرآن العظيم أنهم بسبب طبيعتهم الملتوية ظلوا يختلفون مع الرسل ويقتلون النبيين، قبل الإسلام الدين الخاتم، يقول تعالى “أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ” (البقرة 87)، وقيل إنهم قتلوا يحيا وزكريا وأشعياء، ونعلم أنهم هموا بقتل عيسى ومحمد عليما السلام، وفي عقائد الإسلام جميع الأنبياء مسلمون وجاءوا بالإسلام.

([16]) أخرجه البخاري (3168) ومسلم (1637) وفي الحديث: “إنَّ آخِرَ ما تكَلَّمَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَخْرِجوا يَهودَ أهْلِ الحِجازِ وأهلِ نَجرانَ مِن جَزيرةِ العَرَبِ”، أخرجه أحمد (3/221) وصححه ابن عبد البر في “التمهيد”(1/169)، وفي الحديث: “لَأُخْرِجَنَ اليَهُودَ والنَّصارَى مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ حتَّى لا أدَعَ إلَّا مُسْلِمًا”، أخرجه مسلم [الصفحة أو الرقم1767].

([17]) انظر محمود بسيوني، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان- المجلد الثاني، دار الشروق، القاهرة، 2003، موقع جامعة مينيسوتا.

([18]) رواه الإمام أحمد في المسند (30/355).

([19]) انظر الدكتور محمد السيد الطنطاوي، التفسير الوسيط، ج 1 ص 2047، دار المعارف- القاهرة.

([20]) انظر ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، تفسير سورة الإسراء ج 16 ص 28، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس.

([21]) انظر محمد بن جرير الطبري، تفسير جامع البيان عن تأويل آي البيان – ط 1 ص 454، دار هجر- القاهرة، 2001.

([22]) أخرجه البخاري (3448) ومسلم (155) .

([23]) قال الإمام الرازي: إن المسيح الدجّال سُمّي مسيحاً لأحد وجهين أولهما: لأنّه ممسوح العين اليمنى، وثانيهما: لأنّه يمسح الأرض أي يقطعها في زمن قصير”. وقال أبو نعيم في فتح الباري “كان في أصبهان، في فارس، قرى يسكنها يهود. و” كانت في أصبهان قرية تسمى “يهودية”. والطيالسة نوع من الكساء، وقيل كساء يوضع على العمائم ويسدل على الظهر، أنظر محرك الدرر السنية، وإسلام ويب، 16/5/ 2006.

([24]) أخرجه الترمذي (2237) واللَّفظُ له، وابن ماجه (4072)، وأحمد (12). والمجان: التروس من طبقات من الجلد، يقوي بعضها بعضًا، تتخذ للوقاية من الضربات في القتال. ومطرقة كثيرة الطَّرْق، والمعنى التروس الغليظة، كناية عن الوجوه الغليظة.

([25]) أخرجه مسلم (2944).

([26]) أخرجه مسلم (2937).

([27]) أخرجه مسلم (2942)، انظر “خروج الدجال من جهة المشرق”، محرك الدرر السنية. قال القاضي (عياض) في شرح هذا الحديث: ليست “ما” هنا للنفي وإنما زائدة، لأنه أراد أن يثبت أنه يخرج من جهة المشرق. الحديث الشريف رواه مسلم.

([28]) أخرجه أحمد (23683) واللفظ له، والحارث في المسند (784)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (14/376). منهل: موقع أو مكان أو ناحية.

([29]) أخرجه مسلم (2937)، وفي رواية ينزل في الأردن، وفي رواية بمعسكر المسلمين.